بقايا حلم عزة ''الحلقة .2.''

لما بلغت عزة ربيعها الخامس عشر، وقع حادث غيَّر
مجرى حياتها إلى الأبد، فبينما هي قادمة من المراعي ذات
مساء تمتطي "الحران" حتى استقبله ا أخوها عبد الله
وأخبرها أنه ينتظرها، وألح عليها أن تقطف له العلك ،
وهو ثمر شجر الطلح الكبير قرب التلة، التي لا تبعد
كثيرا عن مكان نصب الخيام ، فرافقته إلى هناك . وبينما
هي تحاول اقتلاع العلك احتك الجمل بالشجرة ،
فسقطت عزة على أشواك شجر الطلح ونشبت شوكة في
ركبتها، فعادت مباشرة إلى الخيام كي تداوي نفسها.
ظنت للوهلة الأولى أن الأمرلا يستحق العناء، تجاهلته
لأيام قليلة ، لكن الألم أخذ يزداد ، إلا أن الأمر تطور إلى
الأسوأ، وأصبحت تسهر منه ليالي، حتى أقترح بعض
الأقارب أخذها إلى شيخ له خبرة في علاج الكسور
والمفاصل، هذا الحكيم التقليدي عاين الحالة ، ولم يجد
دواء أفضل من الكي بالنار.
لم تتردد هي من شدة الألم المبرح، على الرغم من
أن عزة إنسانة صبورة بطبعها ، فهي نادرا ما تشتكي إلا
حين يكون الألم أكبر من أن يحتمل وتدفق سيل الدموع
المنهمرة، أكبر من مساحة العينين وآهات الصدر أشد
من أن تكتم.. سهرت ليالي بعد أن نامت العيون من حولها،
تدعو كلما تأخر الليل أن يخفف الله معاناتها، شفتاها
تتحرك وعيناها لم تنما.
وبعد أن تمت عملية الكي ومع مرور الأيام ، لم تعد
قادرة على الحركة فاستعانت بعكاز ، اذ أن عملية الكي
بالنار كانت لها مضاعفات خطيرة مزقت عصب الركبة،
ومع مرور الوقت أصبحت عزة مقعدة تماما لا تستطيع
الحركة إلا قليلا..
تحطمت حياة عزة وتحولت إلى إنسانة مقعدة ،
مسكينة شابة في زهرة شبابها على قدر من الجمال ،
كثيرا ما كانت تحسد عليه من رفيقاتها، ويبدو أن حب
عبد الله هو الذي سبب لها هذ ا. غير أن البكاء على حادث
وقع هو كالبكاء على اللبن المسكوب لا يفيد في شيء.
ولم يغير الأمر شيئا في محبتها لأخيها، شخصية
عزة المتميزة لم يؤثر هذا الأمر على مجرى حياتها ،
واستمرت الحياة من جديد فقد كانت راضية بقدره ا.
وعلى الرغم من حالها، فقد تقدم رجال يطلبون يدها ،
فتزوجت عزة من رجل تعرفه الأسرة . إلا أن الأمر لم
يستمر طويلا خاصة بعد وفاة مولودها الأول، بالإضافة
إلى المشاكل التي واجهتها رفقته . كان دائم الترحال ،
كثيرا ما تصلها أخباره أنه حط الرحال عند خيمة فلان
أو عند فريك، يتودد لبعض النسوة فيه . الأمر الذي
رفضته بقوة، ووضعت حدا لزواجها بعد شد وجذب بينها
وبين الزوج . وكذا بين العائلتين رغم تدخل بعض
الأقارب ليصلحوا ذات البين، وكثيرا ما دخلوا في
رد » مفاوضات مارطونية ودائما ما قيل لأسرة عزة
1. إلا أن عزة قررت وضع حد « العمائم يورث الندايم
لتجربتها. وعزمت ألا تساوم على كرامتها، رجعت إلى
خيمة أبيها بعد تجربة زواج فاشلة، إلا أن المرأة المطلقة
في ثقافة بدو الصحراء لا ينظر إليها على أنها ناقصة، أو
ثقل على الأسرة، بل إنها في بعض الأحيان تكرم، ويقال
لها: رجعت إلى خيمتكم فمرحبا من جديد، حتى يأتي الله
بالأحسن. وقد صرفت عزة فكرها عن الزواج مؤقتا، فهي
لم تلق الاستقرار الذي تنشده أي امرأة نفسيا وعاطفيا،
فزوجها لم يكن مسؤولا وملتزما تجاه بيت الزوجية.

1- رد العمايم يورث اندايم:قول مأثور بمعنى رد وساطة آبار القوم يورث الندم.


يتبع ...//10//

يحضيه بوهدا

الطبيعة التي تنتمي إليها عزة والتي منحتها الطفولة والشباب والجمال هي ذاتها التي سلبت منها صحتها حين كان ذلك بسبب رمزين من رموز الصحراء الطلح والجمل، لكن الصحراء رغم ذلك تعود وتعطي لعزة بعض القوة، في بعض الخاطبين والزواج، وتختبر إيمانها بوفاة ولد، وتجازيها في علاقتها الأسرية الحميمة.
نتابع بشغف بوهدّة وهو يحكي حكاية عزة التي هي ربما حكايتنا جميعا.