الأم عزة قطب الرحى في أسرة عبد الله، فالكل يدور
في فلكها، خاصة أبن اءه الثلا ثة وكذلك زوجته . كثيرا
ما تتكفل بمساعدة فاطمة بالأعمال المنزلية التي لا
تتطلب الحركة، وكثيرا ما تبرع في كل ما تناله يداها
من أشغال ، حتى عندما يقع خصام بين الأبناء كانت هي
بمثابة الحكم الفصل بينهم، ويرضون بما تقوله وتقرره،
نظرا لعطفها عليهم وحكمتها في التع امل معهم . إن
خبرتها في الحياة هي ما ساعدها على ذلك ، والحال نفسه
مع أقاربها الذين يسكنون غير بعيد عنها في حي
(لحوهم) 1 الشيء الذي يعبر بالضرورة عن شريحة
كبيرة من مجتمع الصحراء آنذاك ، رغم مستوى الحياة
المدنية التي أصبحوا يعيشون، فدفء البادية يضمن
للإنسان الصحراوي إحساسا بالانتماء إلى الفضاءات
الشاسعة... وحتى أقاربها الذين يسكنون في الأحياء
الأخرى التي تعتبر متحضرة إذا ما قورنت بحيها
ككولومينا وكبيندو 2 والزملة 3.. كثيرا ما كانوا
يحجون لزيارتها وتمضية الوقت معها وذلك لطيبتها
وعذوبة حديثها.
مضت سنوات ، والأسرة تكافح من أجل عيش كريم،
رغم قلة الموارد وضيق الحال، بعدما جفف الفقر منابعها
وسود أيامها إلا من كرامة لا غنى عنها ، لكن الضروريات
متوفرة والكماليات لايسأل عنها في ذلك الزمن.
سافر عبد الله جن وبا إلى مدينة الداخلة طلبا لدين .
كان قد باع عددا من الجمال لرجل هناك، واتف ق على
سداد الدين بعد انقضاء حول كامل، وهي مهلة أعطاها
للرجل كي يستوفي ما تبقى في ذمته من الدين . وعند
سفره ترك القليل من المال مع عزة وأوصاها بالأطفال
وكذلك بفاطمة التي كانت حبلى في الشهور الأولى.
لكن المنطقة عرفت أحداثا متسارعة منذ انسحاب
الأسبان الذي شكل منعطفا كبيرا في حياة أهل الصحراء.
عاد الأخ بعد ذلك من الداخلة صفر اليدين . بعدما
أمضى هناك زمنا ينتظر استيفاء ما بذمة صاحبه ، لكن
تماطل الرجل في سداد الدين جعله يقرر العودة إلى
العيون.
وفي يوم شبه خريفي من العام 1975 ، أطلق أحمد
سالم صرخته الأولى على يد عزة إلا أن أمه فاطمة توقف
نبضها إلى الأبد سويعات قليلة، بعدما دخلت في مخاض
مبكر، عانت منه كثير ا. وبعد صراع مع مرضها المفاجئ،
أسلمت الروح إلى بارئها، وهكذا تعانق الفرح والحزن !.
فكانت جنازة وكان ميلاد ، وقع استنفار بين أفراد الأسرة
الصغيرة وكذا الجيران . فبعد مراس م الدفن في نفس
اليوم، أقيمت جنازة حضرها أناس لهم معرفة بعبد الله،
واجتمعت النسوة في المنزل المتواضع معزين ومؤازرين
للأسرة المكلومة. وقف عبد الله عند زاوية البيت حزينا
ولسان حاله يقول : "الحادث ما عنده قوة ابكي موت
إنسانة، وأنا مدرك أني ميت لا محالة " إنا لله و إنا إليه
راجعون. حزين هو يوم الاثنين ، فقد كانت فاطمة نعم
الزوجة اجتمعت فيها صفات الإنسانة الطيبة والصب ورة،
والمسالمة، وكثيرا ما أثنى عليها زوجها، وهو يردد :"
الله يعلم أني لم أر من ها طوال حياتنا إلا خيرا فقد ك انت
سندا وعونا على مشاكل الحياة وأهوالها، وإني لراض
عنها، وأسأل الله أن يسكنها فسيح جناته.
1 - لحوهم: أي ابعدوهم الى اطراف المدينة في احياء هامشية.
2 - آبيندو: تعبير إسباني يعني: مجموعة إدارات.
-3 الزملة: آناية على هضبة أو مرتفع من الأرض.
يتبع ...//15//
يحضيه بوهدا