منتدى خربشة على الرمال
حللت اهلا ونزلت سهلا عزيزي الزائر ..
نعتدر عن الازعاجك من طرف هاده النافدة ظهورها يعني انك غير مسجل لدينا ..
نعلمك عزيزي الزائر ان هناك مواضيع حصرية في منتدنا ولكن نقوم باخفائها لاظهارها. عليك ان تكون عضو معنا
لن يستغرق تسجيلك سوي دقيقة واحدة
بعد التسجيل يمكنك تفعيل نفسك عن طريق الايميل اللدي سجلت به
وان لم تفعل نفسك سيتم تفعيل حسابك خلال 24 ساعة من طرف ادارة المنتدي

هيا سجل وكن واحد من أسرة أرض التطوير
منتدى خربشة على الرمال
حللت اهلا ونزلت سهلا عزيزي الزائر ..
نعتدر عن الازعاجك من طرف هاده النافدة ظهورها يعني انك غير مسجل لدينا ..
نعلمك عزيزي الزائر ان هناك مواضيع حصرية في منتدنا ولكن نقوم باخفائها لاظهارها. عليك ان تكون عضو معنا
لن يستغرق تسجيلك سوي دقيقة واحدة
بعد التسجيل يمكنك تفعيل نفسك عن طريق الايميل اللدي سجلت به
وان لم تفعل نفسك سيتم تفعيل حسابك خلال 24 ساعة من طرف ادارة المنتدي

هيا سجل وكن واحد من أسرة أرض التطوير
منتدى خربشة على الرمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى أدبي ثقافي شامل
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كولومينا /الرواية على شكل حلقات/

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأربعاء 12 مارس - 13:09

رواية "كولومينا"
لـ: محمد النَّعمَة بيروك
الحلقة 1
يتكشّف الضباب هذا الصباح عن مشهد روتيني، لكنه مع ذلك يكسر قليلا رتابة البيت الضيّق.. كم يشبهها هذا الحي، أو هكذا ترى، ومع ذلك فهي تكرهه، ربما لأنها تكره نفسها أيضا، كل الصفات التي يحملها هذا الحي بغيضة: دور قصيرة كقامتها، متراصة ومتشابهة كأيّامها، ضيقة كصدرها، مغبرّة حزينة كنفسيتها.. لطالما تساءلتْ: هل هي صدفة أن يبدأ اسمها واسم الحي بنفس الحرف: "كولومينا" و"كلتوم"..حتى في بعض التفاصيل يتشباهان، فكلاهما من رواسب العهد الإسباني،هو كان مستوطنة للمستعمرين، لكن طوبه من هذه الأرض بالتحديد، وهي ظلت تحتفظ بثقافتها الإسبانية المحدودة التي لم يعد لها مكان اليوم،منذ أن وُلدت في ذلك العهد، و درست في طفولتها لدى بقية من الإسبان بُعيد خروجهم من الصحراء، وحالت خشيةُ أبيها عليها من أن تدرس بعد ذلك، فاحتفظتْ بالكثير ممّا تعلمته قديما..لكن لا أحد اليوم يقول "كِي بّاسا" أو"كي تال" كما كان يتكرر في شوارع العيون إلى وقت غير بعيد.. بيد أنّ الأهم ليس هذا، بل تجربتها المريرة التي تشبه هذا الحي، فقد اكتُسح ذات سنة، كما اكتسحتْ هي ذات يوم، كان اكتساحه من قِبل الناس الذين لم تكن لديهم وثائق ملكية رسمية غيرُ الهوية طبعا، مباشرة بعد انسحاب المستوطنين الإسبان منه،
بعد ذلك بقليل اكتُسح عرض كلتوم نفسها بدون وثائق أيضا، عندما اعتُدي عليها من قِبَل فقيهٍ "صديق" لأبيها، وهي طفلة، ففقدت عذريتها إلى الأبد..الفرق أن الحي عاد لأصحابه، وإنْ بملامح إسبانية، بينما ظل شبح الحادث يلاحقها في نفسها، وفي والدها الذي لم يستطع نسيان الأمر، ولم يعد يثق في أحد..هل كان لفتاة في ذلك العمر أن تتناسى شيئا من الواقعة بعد أكثر من عشرين سنة لولا هذا الأب الذي يبدو وكأنّه يأسف كل يوم لأنها   لم تولد ذكر؟.
هي و"كولومينا" لم تتغيّرا منذ ذلك العهد..أحيانا تشكّ في أبوّة هذا الشيخ الذي تقيم معه، لولا بعض   اللمسات القليلة التي تجترّها باستمرار كي تُبقيه في نفسها أبا، لا تجد منه في الغالب غير بخله، وتذمّره المستمر من كل شيء..
لكن مأساتها معه لا تقف عند هذا الحد، بل تتعدّاه إلى كلّ شيء.. لطالما أسرّت لنفسها، أو لصديقتها الوحيدة اسحابة.."ما أصعب أن تقيم امرأة مع رجل ليس زوجها، حتى وإن كان أباها في غياب أمّ ربما ماتت من الحسرة، وأخ يشتغل عاملا في الغربة،وأخوات مرضيٍّ عنهن فقط لأنهنّ تزوّجن ورحلن مع أزواجهنّ، ولم ولم يحدث لهنّ ما حدث لها وهي طفلة في مجتمع محافظ كمجتمع الصحراء"بالأمس ناداها للصلاة معه وهي في حالة حيض، لا يمكنها أن تقول له شيئا، يُلجمها حياؤها أن تقول شيئا كهذا، ولا توجد أمّ لتخبره..لكنها تتعجّب: كيف لا يحتمل أن تكون في تلك الحالة، حتّى ولو مرّة واحدة في العمر..لطالما  اضطرّت للصلاة خلفه بكلّ ما تحمل من حيض.. أي نعم هما ركعتان سريعتان، وبدون خشوع، وسجدتان أشبه بنقر الدّيكة على الأرض، وبدون وضوء،لكن الوقوف للصلاة وهي في تلك الحالة كان يشعرها بألم كبير..
لطالما تحجّجت بالمرض الشديد، ولطالما فكّرت أن تُوسّط إحدى قريباتها بينهما..لم يكن من الممكن أن تقيم عند عمّتها "غلّات" أو أحد أقاربها، ليس لأنه لا يرتاح لهم، و ليس لأنه لايزال يحتفظ بذكرى الاعتداء عليها فحسب،بل لأنه ربّما لا يجد خادمة غيرها تعدّ له كلّ شيء، بدءا بالطبخ، وانتهاء بالتنظيف والمسح والكنس..هكذا يُهيّأ لكلثوم، لكنّها لا تفتأ تسترجع كالعادة حبّه في لمسة ما، فقد سمعتْه ذات يوم يُقسم بغلاوتها..ريّما لم يتزوج بعد وفاة أمّها خوفا عليها، رغم ما يُشاع من زياراته المتعددة لبعض المطلّقات في كولومينا وهو في هذا السن..ربّما كان حبّا قاسيا يشبه إلى حدّ كبير حبّ القطّة حين تأكل صغارها لتحميهم..لكنّ هذا الشيخ لا يكفّ عن التذمّر، كأنّ في نفسه دائما حيّز للسخط على كلّ شيء.
كلّ هذا ومازال لدى كلثوم مساحة للمناورة، سواء في منزل عمّتها أحيانا، أوفي الزقاق الموالي في منزل المرأة الفاضلة شريفة، أو حتى في هذا البيت، عندما يطلّ قريبها "كابر" خلسة في مجازفة خطيرة،و هذا نادر جدا...
يُتبع....


عدل سابقا من قبل محمد النعمة بيروك في الأحد 16 مارس - 4:42 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
آية الصحراوية
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 07/03/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالخميس 13 مارس - 0:06

سرد رائع بما تحمله الكلمة من معنى.... يأخذ بتلابيب واقع مؤالم يتساوى فيه الجماد المادي بالإنسان كما يخطر ببال كلثوم عندما شيأت نفسها لتلك الدرجة وهذا لا لشيء إلا لما تعيشه من ألم وحياة راكدة فرضتها عليها ظروفها و حادث ليس ككل الحوادث وارى التراب على فرصة جميلة للعيش الكريم بجانب رجل كباقي قريناتها أو اخواتها على الأقل..... سلمت أناملك أيها القاص المبدع  ننتظر الباقي من فصول الرواية علنا نهتدي وسط دروب "كولومينا" لما ينعش الذاكرة أو يمتع "كلتوم" ويبصم ببعض الإيجابية لحياتها المتوقفة سلفا .... آية الصحراوية

..............................


أسعدتني قراءتك الجميلة القارئة اللبيبة آية
إنها محاولة للاستنطاق المجتمع الصحراوي من خلال حي من أحياء إحدى مدنه.
أتمنى أن يستحق النزر اليسير من كلماتك المشرّفى في حق الرواية، فقد أسعدني أن تكوني متابعة لهذا البوح المتواضع.
أرجو النصح والتقويم والتصحيح..
سعدت بكِ أختي الكريمة، وشرّفني حضوركِ..
تقبلي فائق تقديري واحترامي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأحد 16 مارس - 4:17

رواية "كولومينا"
لـ: محمد النعمة بيروك
الحلقة الثانية
.. كلّ هذا ومازال لدى كلثوم حيّز ضيق للمناورة، في الزقاق الموالي في منزل عمّتها غلّات، أو المرأة الفاضلة شريفة، أو حتى في هذا البيت، عندما يطلّ قريبها كابر خلسة في مجازفة خطيرة...كابر.. كم هو أناني هذا الرجل الذي يكاد اللؤم يقفز من عينيه الغائرتين كحبّتيْ تين في رأسه الملفوف دوما بعمامة سوداء، و من ابتسامته المصقولة بالسّواك الذي لا يفارقه، ووجهه المغبر كسيارته "الأندروفر"..لكنه منفذها الوحيد إلى عالم الرجال، لا أحد سيهتم لامرأة لا ترى نفسها جميلة ضدّا عن كل النساء، فهي تعلم أن فاقد الشيء لا يعطيه، لا أحد يهتمّ لامرأة فقدت بياضها الذي يشع في كل أفراد أسرتها إلا هي، لا أحد سيهتم لامرأة نحيفة في مجتمع يؤمن بالسّمنة، ليس دليلا على الجمال فحسب، بل دليلا على الرفعة والنسب أيضا، لا أحد سيلتفت إلى امرأة ترتدي ملحفة بالية طول الوقت.. والأهم.. لا أحد سيلتفت إلى امرأة يحرسها غول..
كابر فقط يفعل ذلك.. ورغم أنه لا يطل إلا لماما، فهي تعرف ما الذي يريده، لكنها لا تمنحه شيئا غير بعض الإيماءات التي تعطيه دائما أملا ما، وتبقيه مرتبطا.. آخر شيء يمكن أن تفكّر فيه هو الوقوع في الخطيئة، بعد تجربتها المريرة التي كلّفتها الكثير، أقسى ما تصل إليه مع كابر هو جلسة أنس وشاي، في ظروف محددة ومشروطة قدريا بظروف الأب النادرة، حين يسمح لها بقطف زيارة خاطفة لعمّتها غلّاتْ، أو حين يمرض أو يسافر، فتقيم عندها، هناك يمكن لكابر أن يقضي بعض الوقت حتى بحضور زوجها أحيانا.. قد يكون كابر أنانيا لئيما في نواياه، لكنها تشعر بامتنان كبير لاهتمامه بأنوثتها دون كلّ الرجال، وتحترم فيه جرأته بالاقتراب من فلك أبيها العصبي المنعزل الذي كره العالم بعد أن غدر به صاحبه في إبنته..ورغم أنه يسرّ أمرا في نفسه، فقد كان يبدو أن كابراً يريدها بتلك الحالة البائسة، وعندما تحاول أن تتعذّر له بالظروف، كان يعرف كيف يمتص الموقف:
"اللي زين زين يسوا يُغمّس في الطين"
لا أحد غير عمّتها اللجوجة يلحّ عليها أن تهتمّ لحالها:
"وايطّيركْ، مانك كيف لعليات.. تخلعي بو عشرين كلب"..
هكذا تزنّ عليها، لكنّها تعرف أنّها من ملاذاتها المحدودة، فتصبر على تلك الكلمات القاسية..
غلّات.. العمّة السمينة الفارهة الجمال، ثلاث زيجات سابقة، والآن تعيش الرابعة، عشرة أبناء جلّهن بنات متزوجات، كأنها نقيض كلثوم، ومع ذلك لا تحظى هذه الأخيرة بأكلة محترمة، أو دشّ دافئ، أو جلسة مريحة إلا عندها، ورغم أن بيت غلّات في الجانب الآخر من كولومينا ذات المنازل الضيقة، إلا أن الأصل فيه أنه منزلان تمّ دمجهما، فصارا منزلا واحدا كبيرا حافلا بكلّ شيء..
أحيانا تتعمّد غلّات أن تترك ابنة أخيها مع كابر على انفراد في الصالون...
يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
آية الصحراوية
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 07/03/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالإثنين 17 مارس - 21:05

رائع أحيانا أن يبقى بصيص أمل يرمقنا طوال الوقت دون اكتراث لمنغصات العيش الأليمة، كأنه حلم أبيض في واقع أسود كالذي تعيش "كلثوم" في كنفه حتى لو كان مجرد حلم كاذب لكنه أمل وكفى بوجوده املا .... أما ما يضمره كابر في نفسه اتجاه كلثوم" فلم تكن تلقي له بالا ليس لأنها لا تريد ان تعرف أو لأن الأمر عصي على الكشف خاصة انها تدرك "وضعها" و"مستوى جمالها"  ولكن لانها لا تريد ان تخدش سطح لوحتها التي اعترتها بعض الألوان الجديدة آنيا، فأصبحت تلمعها كلما سنحت فرصتها القدرية.... نتابع أطوار الحكاية مع توالي أسطرك الذهبية أيها القاص المبدع .... يا خوفي من رحابة المنزل الكبير وتصرف العمة في ترك "كلثوم لوحدها... أرجو ان تملك الأسلحة المناسبة لكل طارئ يترصدها وإلا اكتملت قصة المشهد الدرامي بدموع لا تأبى الاحتباس لباقي حياتها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالثلاثاء 18 مارس - 0:15

كعادتكِ تحاورين النص بعمق واحتراف، وتثيرين المخاوف العميقة، وتطرحين الأئلة التي تقدّم الحدث إلى الأمام، أو تحفز الكاتب عليه..

شكرا لكِ مجددا القارئة الحصيفة آية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالثلاثاء 18 مارس - 0:16

رواية "كلومينا"
الحلقة الثالثة
من الجزء الأوّل "الصمّ لا يرقصون"
أحيانا تتعمّد غلّات أن تترك ابنة أخيها مع كابر على انفراد في الصالون، أملا في حدوث تفاهم على رباط شرعي ما، لكن تلك الحالة لا تدوم طويلا، إذ تُشعرهما العمّة أنها بالقرب من حين لآخر.
تعيش كلثوم على استرجاع هذه المواقف باستمرار، فتجتر كل تفاصيل اللقاء مع كابر، كي لا تنسى أنها أنثى..شيء آخر يشعرها بتلك الأنوثة وإنْ بدرجة أقل، حين تخدم أبيها والبيت طهوا وكنسا..هذا الصباح مختلف قليلا، ستذهب للمتجر المجاور بشارع القيروان كي تشتري خبزا، عادة ما يصبح الخبز المنزلي ملفوفا بكيس ويُسخّن، ستخاطب كلثوم البائع، وربّما تبادلا الضحكات، خلال ذلك سيكون الحساء على الموقد، ثمّ ستعدّ أواني الشاي الذي سيعدّه أبوها بنفسه، وستحضر صحن زيت الزيتون، وسيُخرِج أبوها بعض التّمر من خزانته الخاصة..
- الحساء مالح
هكذا يتذمّر كعادته بملاحظة أو أكثر كل يوم، ولا شكر على شيء أبدا..
حين بغادر كعادته إلى عمله في شركة بوكراع التي مدّدت عمله إلى
ما بعد التقاعد، ربّما ستأتي جارتها وصديقتها الوحيدة اسْحابة، والتي لا تقلّ بؤسا عنها.. وأحلاما أيضا، حيث ستضحكان، وستتبادلان الكذب والحقيقة على حد سواء..
- أنا لا أريد كابر، رغم إلحاحه عليّ بالزّواج..
- أنا ابن خالتي يبعث لي باستمرار مع أخته، لكنني لا أريد "شِبلا"..
- عمّتي معجبة بي، وتقول أني جميلة، وأنّ مقياس قامتي مناسب..
وهكذا تجدان مخدّرا إضافيا للهروب إلى الأمام.
أكبر هواجس كلتوم هو اقتراب سنّ اليأس الذي سيحرمها من ابن تحتاجه إذا لم تتزوج، لكن ذلك الهاجس غير قابل للنقاش مع أحد، فهي لم تفقد بعدُ كلّ كبريائها الأنثوي..
ستقتل بعض الوقت مع اسحابة، وستأتي على ما تبقى بتنظيف البيت، وإعداد الغداء، وستأخذ قيلولة كالعادة، لكنها اليوم تستلم مقترحا مُغريا من صديقتها الوحيدة..
- لم لا تعملين عند أحد الجيران لكسب بعض النقود بدون علم أبيك؟
هكذا تجد ما تشغل به نفسها تفكيرا وتمحيصا، فقد سمعت جارتها في "زنقة أريثا" المجاورة تسأل عن شغّالة، لبعض الأمور المحدودة في البيت لا تشمل الطّهو، ربّما يمكنها اقتراح نفسها على شريفة، في زيارة خاطفة فعلتها أكثر من مرّة..
يتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
آية الصحراوية
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 20
تاريخ التسجيل : 07/03/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالثلاثاء 18 مارس - 2:29

كان "كابر" الوحيد الذي أيقظ انوثة بطلتنا "كلثوم" فصار أول من ترشحه في أمر الزواج، عندما تأخذ باطراف الحديث مع سحابة او مثيلاتها.... أضحكني الحوار  إنه جد واقعي، يحمل في طياته كرامة وكبرياء عاليين ... الحقيقة احيانا لا تهم في بعض مانقوله فلتبقى متوارية ... لا ضرر في بعض اللهو المنسي... وبعض الكذب ... خاصة إذا تعلق الامر بالزواج فالخطاب كثيرووون والحمدلله هههه .....
هناك شيء آخر يشعرها بانوثتها إنه عملها بالبيت وإحساسها أنها مفيدة  رغم التذمر الدائم... وهذا ما جعلها ترى في مقترح "سحابة" فرصة أخرى تجد فيها بعض المنشود من حياتها الروتينية .....تابع أيها الراقي لاعدمت نباهتك.... تحية عطرة لسردك الأنيق.... أية الصحراوية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأربعاء 19 مارس - 23:49

كم أنا سعيد بكِ قارئة بعد أن خبرتكِ مبدعة أختي آية، أسعدني أن أثارت بعض اللمسات إعجابكِ..
تسعدني متابعتكِ وأعتز بها..
شكرا جزيلا لكِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالخميس 20 مارس - 0:00

رواية "كولومينا"
الحلقة الرابعة

من الجزء الأوّل "الصمّ لا يرقصون"

هكذا تجد ما تشغل به نفسها تفكيرا وتمحيصا، فقد سمعت جارتها في "زنقة أريثا" المجاورة تسأل عن شغّالة لتنجز بعض الأمور المحدودة في البيت، أمور لا تشمل الطّهو، ربّما يمكنها اقتراح نفسها على شريفة في زيارة خاطفة فعلتها أكثر من مرّة، في ظل رغبة في التغيير تستحقّ المغامرة، أمام أب بخيل، و على وقع حضّ العمّة على أن تهتمّ لنفسها، بالإضافة إلى منظرها أمام المعارف، وفتيات كولومينا.. وأمام الرّجال طبعا، بدءا بكابر، وانتهاءً بالبقّال ربّما..
قد يكون التعلّل بأنّ أخاها اتصل بها من بيت شريفة حيث الهاتف الثابت النّادر في كولومينا سببا مُقنعا لأبيها، وبما أن أخاها لا يهاتفها كلّ يوم بطبيعة الحال، فيمكن ادّخار ذلك التعلل إلى حين اكتشاف أبيها ذهابها إلى شريفة، أيضا يمكن التّنقّب جيدا، وتغيير الملحفة للمزيد من التمويه..
خطورة هذا العمل لا تقف عند أبيها فحسب، الذي يفترض أنه موظف ببوكراع، ولايليق بابنته أن تعمل خادما، بل أن هناك كبرياء من نوع آخر يفوق أنوثتها أمام بنات الحي، إلى أبعاد قبلية أخطر، تلك القبيلة التي لم تقدّم لها يوما معروفا، وتكاد لا تعترف بها إلا عندما تشعر –أي القبيلة- أن سمعتها متضررة لتصرّف ما، تلك القبيلة التي لا تفكّر في تقديم شيء، لكنّها لا تتردّد في العقاب الذي قد يبلغ حدّ البراء.. 
هي تدرك كلّ ذلك، ولا تضمن ألّا يعود أبوها في أية لحظة إلى البيت، بل لا تضمن حتى أن يكون قد ذهب إلى عمله عندما يغادر صباحا، خصوصا عندما يخرج ملفوفا بجلبابه، إنها نفس اللعبة التي يخدمها السّتر، وسواء وراء الجلباب أو وراء النّقاب، فإن اللعبة ذاتها هي هي، تحقيق رغبة ما، هو كي يشعر برجولته أمام نفسه، وربّما قلّة من أصدقائه، في زياراته لمطلّقات كولومينا من اللواتي يحمل إليهنّ اللحم وكبد الإبل والحليب، فيدركه الضحى هناك على وقع صبّ الشاي وأنغام الهوْل، هكذا تقول اسحابة وغيرها من اللواتي حظيتْ بلقائهن، وهكذا يقول كابر الذي يعيب على أبيها تلك التصرّفات في شيخوخته، وهي كي تحقق أنوثتها عبر دخل يساعدها على اقتناء ملاحف، ونعال، وغير ذلك من وأدوات الزينة، لتغيير النظرة النّمطية التي باتت تُعرف بها..
أيضا، تعتقد كلتوم أن أباها يجلب أخبارها من مصدر ما في الزقاق، وتشك في جارتها المُسنّة السّمينة التي تبدو دوما ككومة قش على عتبة منزلها، فلا تكاد تبرحها أبدا..
إذن، هي تعلم أن العمل لدى شريفة مغامرة صعبة للغاية...

يُتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يحظيه حيسن
عضو مميز
عضو مميز
يحظيه حيسن


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 86
تاريخ التسجيل : 18/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالخميس 20 مارس - 11:43

* الحلقة الأولى :
العنوان مثير للإهتمام، و البداية غنية بكل ما يشوق للقادم من الأحداث، كولومينا و كلثوم ربما وجهان لعملة واحدة
 * الحلقة الثانية :
هكذا إذا هي العادات لدى مجتمع البيضان، هي محافظة إلى أبعد الحدود قدر المسكينة وقساوة أبيها و سخط عمتها كل هذا جعلها من مرمى حجر من الوقوع في شباك (كابر) هذا الأخير تكونت لي فكرة عن شخصيته اللئيمة ربما ... دام يراعك متألقا عزيزي في انتظار باقي الحلقات بشوق 
* الحلقة الثالثة :
كعادتك تخط الجمال و الإثارة، ربما تكون (اسحابة) وجه آخر لكلثوم و الروتين السائد قد يكسره العمل لدى الجارة، في قادم الأحداث أشتم المزيد من الاثارة خاصة إذا علم أبوها بسر عملها عند جارتهم، دمت مبدعا عزيزي
* الحلقة الرابعة :
مازلت كلثوم تتدحرج بين سندان العادات و التقاليد، و مطرقة محاولة اثبات الذات، كان لها سبب واحد رغم أنه غير كاف لتختبئ خلفه يوميا الشيء الذي يفرض عليها البحث عن حلول أخرى لتفادي العديد من المعيقات أبوها، فتيات الحي، رجال الحي، أفراد القبيلة ... هذه الأخيرة كان مهما ذكرها باعتبارها اللُحْمَة التي تبقى غائبة حتى سماع ما يمس السمعة لتقيم الدنيا وتقعدها، ههههه أضحكتني كومة القش تلك لأن في كل حي توجد واحدة تطمئن على أحوال الناس سامحها الله .. شكرا لك أيها الأديب القاص على هذا الإبداع الجميل دمت متألقا و اليراع .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأحد 23 مارس - 17:03

أهلا بالأديب القاص والمسرحي المرموق يحطيه حيسن، وهذه الردود الوافية التي أسعدتني للغاية، إنها "صياغة أخرى" لـ"كولومينا" تنضح حصافة واحترافا، صياغة أشعرتني شخصيا بأنني قارئ ولست كاتبا، حينما عدتُ إلى الحلقات لأتأمّلها بعد كل تعليق منك..
شكرا لحصافتك واستنباطك، وشكرا أيضا على وقتك الثمين..
تشرّفت "كولومينا" وكاتبها على حد سواء بهذا الألق الحصيف، وهذه الردود البليغة التي تستنطق الرواية بما قالت بوضوح، وما ضمّمنتْه بين السطور..

تقبل فائق تقديري واحترامي وشكري العميق أيها القيصر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأحد 23 مارس - 17:05

كلومينا
الحلقة الخامسة
لمحمد النعمة بيروك
الجزء الأول.. "الصُمّ لا يرقصون"
تعتقد كلتوم أن أباها يجلب أخبارها من مصدر ما في الزقاق، وتشك في جارتها المُسنّة السّمينة، التي تبدو دوما ككومة قش على عتبة منزلها، فلا تكاد تبرحها أبدا..
إذن، هي تعلم أن العمل لدى شريفة مغامرة صعبة للغاية..
لكنّ شيئا ما يدفعها إلى السّير قُدُما في الأمر، على أن تكون العملية عبر خطوات محكمة وحذرة، بدءا بأخذ الموافقة من الجارة شريفة، وانتهاءً باستعارة ملحفة بلون مغاير من اسحابة، وسيكون التوقيت مدروسا بدقّة..
لكن، لا داعي للاستعجال، فهناك متسّع لفعل ذلك على مهل.. ما يهمّ الآن، هو العمل بكدّ وصبر في ترتيب المنزل، حيث يتضارب الشعور بين التأفّف أحيانا، وبين الفخر أحيانا أخرى، كونها تقوم وحيدة بكل أمور البيت، وحاجيات أبيها الذي تحبّه رغم كلّ شيء.
على نغمات الأغنية الإسبانية "قبلة ووردة" الصّادحة من مسجلتها القديمة ذات البوق الواحد، تستحضر كلتوم الكثير من الشجن، من تلك المقاطع التي لا تفهم كلَّ كلماتها، بقدرما تفهم سياقها العام، وتذوب في لحنها العميق الذي يذكرها بطفولتها، حينما كانت أمّها لاتزال على قيد الحياة، وحينما كان أبوها لايزال أبا، تذكّرها هذه الأغنية بكلّ شيء فارقها ولم يُعد، بكلّ أحد فارقها ولم يُعد، بأمّها.. بأبيها.. بالرجل الذي خطبها ذات يوم، فرُفِض لأسباب عنصرية.. بكابر الذي يرفض أن يراها أكثر من عشيقة.. بإخوتها الذين انشغلوا عنها بأمورهم الخاصة.. وبالخصوص، بأخيها الذي قصد البحر، ولم تعد تجد منه غير صوته الدّافئ عبر الهاتف.. وقبل هذا كلّه بنفسها الراغبة في الهروب من واقع مرير، هي لا تطلب أكثر من هروب شرعي في كنف رجل.. هكذا تطرب حيطان البيت لكلمات "نينو برافو":
"تركتُ لكِ أرضي وبساتيني
بعيدا عن هنا
سأغادر
سيرافقني ضوء القمر
وحجارة الطريق
في لحظة الوداع
قُبلة ووردة ولمسة
ووداع
إلى هناك.. إلى ما وراء البحر
حيث الموعد
حيث تشع الشمس أكثر..
لكنني أقسم أنني سأعود غدا"
من حسنات أبيها القليلة، أنه يكتفي بالسّخط والتذمّر في أقصى الحالات،عندما يفاجئها وهي تسمتع إلى الأغاني، فلم يسبق له أن ضربها قط، وإن كانت كلماته أحيانا أقسى من الضرب ذاته، لكنّه غالبا ما يكتفي بالصّمت، مع أنها أصلا لا تجرُؤ على سماع الموسيقى بحضوره لأسباب أخرى.. أسباب تدخل تحت طائلة العرف، بكلما يحمل من عيب وخجل، في هذا المجتمع المحافظ حدّ الصّمت..
يُتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يحظيه حيسن
عضو مميز
عضو مميز
يحظيه حيسن


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 86
تاريخ التسجيل : 18/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالإثنين 26 مايو - 16:42

الحلم بغذ جميل مازال يراودها، و الواقع المرير يرافقها بكل قيوده، كل حي او حارة لم يسلم من كومة القش التي تعتبر ناقل الأخبار بكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة، سرد رائع أيها الأديب مودتي الدائمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأحد 8 يونيو - 15:15

كولومينا
الحلقة السادسة
من الجزء الأول "الصمّ لا يرقصون"
.
في الجانب الآخر من كولومينا، يلوح لذلك الشيخِ الجالسِ على مقعده القديم أمام باب داره طيفُ ابنه قادما من رأس الزقاق، إنّه هو بمشيته المميّزة، حيث يبدو وكأنه يجرّ شيئا.. 
وكأنهما ليسا أبا وإبنا، يتبادلان التحية كأي شخصيْن آخريْن..
- أشحالك يا الحاج؟
- مرحبى ولدي.. أنت منين غابر؟
وكأنّه لم يسمع السؤال، يدخل ذلك البيت الشبيه بالفيلا، المُكوّن في حقيقته من ثلاثة منازل من كولومينا، يطل منها على الشارع المجاور متجر للملاحف والعطور وأحذية النساء، يتّجه إلى موضع المصروف فوق خزانة الباحة، يتناول ورقة من فئة مائتي درهم، يدسّها في جيب سرواله الجنز، ويخرج مسرعا في اتجاه الشارع.. 
إنّه هو، شارع القيروان، المقاهي ذاتها، والمتاجر نفسها، والوجوه العابرة عينها، لاشيء يلوح في الأفق بالنسبة لـ"حمّاد" ذي الثلاثين ربيعا غير أيّام تتشابه كحبّات السُّبحة، أيام رتيبة حدّ السؤم، حتّى السّهر مع الرفاق لم يعد ذا طعم، ولا المكوث في البيت، ولا حتى الخروج للشارع، برغم توفّر كلّ شيء، أسرة ميسورة، ومتماسكة، لكنّه يشعر أنّ كلّ أفرادها يشفقون عليه، يألمون لحالته، حتى في ابتساماتهم..
أيضا أمام الرفاق، حين يشعر أن بعضهم يتشفّى في بطالته، فيختلط عليه جدّهم مع هزلهم..
كل الحياة باتت تتخذ شكل حلقة مفرغة.. قيام متأخر، غداء متأخر، دش، جولة في الشارع حيث نفس الوجوه تتكرر، أو جلسة في فلك مقهى "كارتي" حيث نفس الوجوه أيضا.. ثمّ سهرات رتيبة مع زمرته المألوفة، حيث لا معنى بقي للعب ورق "مرياس" حتى وقت متأخر من الليل.. حتّى الرحلات التي يقوم بها مع رفاقه على حسابه الخاص، لم تعد تستهويه، لأنها من مال أبيه، وليست من عرقه هو، حتى سيارته، أو سيارة الأسرة الفخمة لم يعد يستعملهما في التجوال مع صديقة رشيد..
كل العاطلين ينقصهم المال، لكنه يشعر بنقصان من نوع آخر، نقصان في القيمة الاجتماعية التي تفرض احترامه كشخص عامل، وليس "ابن أبيه".. 
لم يتبقّ غير منفس مع صديقه الوحيد، حيث يمكنه التشكّي والتأفف لاكتساب بعض التوازن، وأحيانا بعض القهقهات التي لا تتجاوز الحنجرة..
إنها آفة في الشعور أن ثراء عائلته وعراقتها يقفان بينه وبين أصدقائه، وكذلك بينه وبين الجنس الآخر، حيث تبدو كلّ فتاة وكأنها لا تسعى للارتباط به، بقدرما تسعى للارتباط بمال أسرته، ونسبه..
لكم اقتُرح عليه أن يعمل في شركة أبيه كما يفعل أخوه، أو يؤسس لمشروعه الخاص، لكنه كان يعلم أنها واجهة مزيفة لمال أبيه، وأنه لم يُخلق لذلك، كان يشعر أن مال أبيه يمنحه ادّعاء غير صحيح بامتلاك مبادرة كتلك، لم يكن حلمه غير دخل حكومي يشعره بمساهمته في بناء نفسه، دون اعتماد كلّي على الأسرة، كان يرغد بعض معارفه من البسطاء.. كأنّ لديه –بمعنى ما- رغبة في التقشّف..
.
يُتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد النعمة بيروك
عضو مميز
عضو مميز
محمد النعمة بيروك


أوسمتى :
كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ 13270210

عدد المساهمات : 138
تاريخ التسجيل : 11/02/2014

كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ Empty
مُساهمةموضوع: رد: كولومينا /الرواية على شكل حلقات/   كولومينا  /الرواية على شكل حلقات/ I_icon_minitimeالأحد 15 يونيو - 20:26

رواية "كولومينا"
الحلقة السابعة
من الجزء الأول: "الصُمّ لا يرقصون"
كان يرغد بعض معارفه من البسطاء.. كأنّ لديه –بمعنى ما- رغبة في التقشّف..
أراد أن يكون مثل أغلب شباب كولومينا، ممّن تملأهم الحيوية، رغم أوضاعهم البسيطة، أو البائسة أحيانا، لكنهم أحرار بمعنى ما، لا يشعرون في معاملاتهم اليومية بالخوف من طمع الآخر.. لا يشعرون بمقابل ما عن كلّ بسمة ربّما.. لذلك تراوده تلك الرغبة في الهروب المعنوي من أسرته، حتى الوظيفة الحكومية لم يكن يريدها عن طريق تدخل أسري، كان يحلم ببيت بسيط مثل البيت الذي اشتراه أحد رفاقه في زقاق عائلته بشق الأنفس، لكنه اشتراه.. والذي يعيش فيه بشق الأنفس أيضا، لكنه يعيش.. لطالما كرّرها على رشيد: 
"ما أصعب أن تتوفّر لديك كلّ سبل العيش.. ولا تشعر أنك تعيش.."
أراد عندما يتزوج أن يكون زواجه تقليديا، يتمّ بين ليلة وضحاها، كأنه لا يرغب أن يعطي لامرأة حيّزا لتشترط عليه شيئا انطلاقا من وضعه كواحد من عائلة "أهل الضّرْحي" الغنية.. كان يحلم بامرأة لا تركب المرسيدس، ولا تنام على الحرير، بل تعدّ الشاي على الجمر، وتضع فيه العلك.. وتقيمه على مهل، ولا تتأفف من "الزمّيت".. 
كانت تجربة أخيه مع زوجته الثرية ماثلة أمام عينيه، والتي انتهت بطلاق مؤسف، وولّدت لدى أخيه عقدة من النّساء.. لهذا كان حمّاد يتمنى ابنة عمّته البسيطة التي لا يشعر تجاهها بشيء غير الإعجاب بتفانيها في خدمة أمِّها وأخواتها الصغيرات، لم يكن يرغب حتّى أن تعلم بشيء، ولم يكن يراها أكثر من زوجة صالحة إذا قرّر الزواج يوما.. لطالما طرب للقول الشائع:
"زوجة أحبّها، أضمن من حبيبة أتزوجها"
حتى زياراته النادرة لهم كانت خالصة لعمّته غير الشقيقة لأبيه، والتي تكتري منزلا في كولومينا على بعد خمس أزقة فقط، ومع ذلك لا يزورها أحد منهم إلا في العيد الكبير، كان حالها يُشعره بالعار من أبيه الغني الذي يبخل على أخته بمنزل حتى ولو بالإعارة، لمجرّد أنها من قبيلة مختلفة.
كثيرة هي الأمور التي تجعل حمّاد على وشك اتخاذ قرارات مصيرية، وصعبة..


يُتبع...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كولومينا /الرواية على شكل حلقات/
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» "كولومينا".. رواية مجتمع صحراوي
» رواية "كولومينا" تفوز بالمرتبة الأولى لمسابقة "الحسيني" بالقاهرة.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى خربشة على الرمال  :: الفسحة :: فسحة القصة و الرواية-
انتقل الى: